قصة نجاح “البيك”: من تحدي الطفرة إلى ريادة الجودة والخدمة

تُعد قصة مطاعم “البيك” السعودية أيقونة في عالم ريادة الأعمال، فهي ليست مجرد سلسلة مطاعم، بل نموذج للنجاح المؤسسي القائم على الإصرار والقيم. يروي الأخوان رامي وإحسان أبو غزالة، ورثة المؤسس، تفاصيل رحلة بدأت بتحديات كبيرة وتكللت بالريادة.
البداية الصعبة ورؤية المؤسس (1974)
في فترة الطفرة الاقتصادية في المملكة (قبل نحو 35 عامًا)، كانت الحاجة ماسة لمطاعم صحية ونظيفة، في ظل سيطرة المطاعم الشعبية. أدرك الوالد المؤسس هذه الفجوة:
الفكرة: البحث عن مفهوم مطعم يقدم وجبات نظيفة وصحية.
الانطلاقة: حصل الوالد على وكالة لشركة “البروست” في جدة، وافتتح أول فرع في المطار القديم عام 1974.
تحدي البداية: كان العمل يدار بشكل فردي بالكامل من قِبل الوالد. ورغم الإصرار، كان الإقبال ضعيفًا جداً، حيث كان عدد الزبائن لا يتجاوز 100 شخص سنويًا بسبب اعتياد المجتمع على أنماط طعام مختلفة.
الالتزام والتحدي بعد الرحيل
بعد عامين من الافتتاح، توفي الوالد والأخوان (إحسان ورامي) ما زالا في الجامعة. واجه الشقيقان فوضى إدارية وديونًا ضخمة:
فقدان الوكالة: ألغت الشركة الأجنبية الوكالة بوفاة الطرف المتعاقد، مما هدد بضياع العمل كله.
القرار المصيري: تخرج الابن الأكبر إحسان (تخصص بترول ومعادن) وقرر تصفية جميع الأعمال الأخرى والتركيز فقط على قطاع المطاعم، رغم أنه خارج تخصصهما.
أزمة الديون: واجهت العائلة مديونية بالملايين للبنك، واختارت تحمل الديون والتوقيع على كمبيالات لسدادها على مدى سنتين، بدلاً من حجز الممتلكات، مدفوعين بحافز إكمال مسيرة الوالد.
بناء الاستقلالية والجودة من الصفر
اتبع الأخوان سياسة التقشف (عملوا في مكاتب ضيقة وألغوا الكماليات) مما علمهم أهمية الحفاظ على المال. ثم بدأوا مرحلة البناء المؤسسي والتحول:
السعي للمعرفة: أصر الأخوان على دراسة المجال، حيث سافر إحسان إلى فرنسا لدراسة “تكنولوجيا الإدارة”.
الاستقلالية التامة: عملوا سراً لمدة 3 إلى 4 سنوات على تطوير الخلطات السرية للوصول إلى الاستقلالية عن الوكالة الأجنبية التي كانت مكلفة.
التعلم العملي: نزل رامي إلى أرض العمل، فـ”خلع الثوب ولبس زي المطاعم”، حيث قام بتنظيف الحمامات، ومسح الغبار، وتعلم خدمة الزبائن والكاشير، مؤكداً أن هذا الانغماس ضروري لأي رائد أعمال.
تغيير الاسم والهوية: لمواجهة إساءة استخدام اسم “البروست” وتشويه سمعته في جدة (حيث كان هناك 400 مطعم منافس)، قررت العائلة تغيير الاسم إلى “البيك” (المأخوذ من مصطلح “الباشا” العثماني)، والتركيز على تدريب العاملين لضمان جودة المنتج والخدمة.
أعمدة نجاح شركة البيك الأربعة
يعود نجاح “البيك” واستدامته إلى التوازن بين أربعة مبادئ أساسية:
الناس (الزبائن والعاملين): يجب أن يراعي أي قرار مصلحة الزبون والعامل معاً.
الجودة: إعطاء الأولوية لجودة الأكل وجودة الخدمات.
الربح طويل المدى: عدم التفكير في الربح السريع. استمرت الشركة لأكثر من 25 عاماً بسعر ثابت (10 ريالات) التزاماً بهذا المبدأ.
التفاعل مع المجتمع: يجب على أي كيان أن يُعطي للمجتمع لا أن يأخذ منه فقط، وإلا فمصيره الفشل.
الخدمة هي المنافس الحقيقي
يوضح الأخوان أبو غزالة أن هدفهم الأسمى هو “زرع ابتسامة في وجه الزبون” والاهتمام بأعضاء الفريق وتنميتهم.
ويقدم رامي أبو غزالة تعريفاً مختلفاً للمنافسة: “المنافس الحقيقي ليس المطعم الذي يعمل في مجالنا، بل أي شخص يقدم خدمة أفضل منا”. فجودة خدمة حارس الأمن في البنك مثلاً هي التي تحدد معيار الخدمة الذي يجب على “البيك” التفوق عليه.
سر البركة: الصدقة في كل وجبة
أحد أسرار النجاح التي كشف عنها مقربون من العائلة هو الالتزام بالصدقة. قررت الإدارة استقطاع ريال واحد صدقة من كل وجبة بعد وفاة والدتهم. ورغم أن القرار كان لثلاثة أشهر فقط، إلا أن الأرباح والمبيعات زادت بشكل خيالي، مما دفعهم للاستمرار في هذا النهج حتى الآن.
ومع تزايد المبيعات، زادت الشركة من مبالغ الصدقات ونوعت قنواتها، لتشمل التوعية، وتثقيف الأطفال، ورعاية المعاقين، مما جعل التفاعل مع المجتمع جزءاً أصيلاً من استراتيجيتها. هذا الالتزام يؤكد مصداقية الحديث النبوي الشريف: “ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده، بل تزده”.



