
لم تعد الرياض مجرد عاصمة سياسية للمملكة العربية السعودية، بل باتت، وبشكل قاطع، عاصمة الاستثمار الأولى في الشرق الأوسط، محققة أرقاماً قياسية تجاوزت طموح “رؤية 2030” بكثير ، وتجسد هذا التحول المذهل في نجاح برنامج جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية، الذي أثمر عن استقطاب 616 شركة عالمية في الربع الأول من عام 2025 وحده.
هذا العدد النوعي والضخم من المقرات الإقليمية يؤكد أن الرياض لم تعد وجهةً استثماريةً محتملة، بل هي مركزٌ عالميٌ للأعمال والإدارة، حيث تتخذ كبرى الشركات الدولية قرارها الاستراتيجي بإدارة عملياتها من قلب أكبر اقتصاد في المنطقة.
تجاوز مستهدف 2030 في زمن قياسي
كان الهدف الطموح لـ “البرنامج السعودي لجذب المقرات الإقليمية” هو استقطاب 500 مقر إقليمي للشركات العالمية بحلول عام 2030. الأرقام الرسمية التي أعلنها وزير الإعلام السعودي، سلمان الدوسري، أكدت أن المملكة نجحت في جذب أكثر من 616 شركة عالمية في الربع الأول من عام 2025، متجاوزة المستهدف الزمني والرقمي بخمس سنوات كاملة.
هذا النمو المتسارع يعكس الثقة الهائلة في البيئة الاستثمارية السعودية، ويؤكد على نجاح الاستراتيجيات الحكومية التي ركزت على تحويل الاقتصاد من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة والاستثمار.
لماذا تختار الشركات العالمية الرياض؟
الاندفاع العالمي نحو الرياض مدعوم بحزمة متكاملة من الممكنات والحوافز التي لا تقتصر على الجانب المالي فحسب:
إلزامية المقر الإقليمي والحوافز الضريبية:
القاعدة الذهبية: إلزام الشركات التي تتعاقد مع الجهات الحكومية والشركات المملوكة للدولة بإنشاء مقر إقليمي في المملكة، مما يضمن لهم الوصول المباشر إلى أكبر حجم من الأعمال والمشاريع الحكومية في المنطقة.
مزايا تنافسية: منح إعفاءات ضريبية شاملة (ضريبة الدخل والاستقطاع) لمدة 30 عامًا للشركات المنضمة للبرنامج، مما يجعل التواجد في الرياض مغرياً اقتصادياً.
عمق السوق والقوة الشرائية:
تتمتع السعودية بسوق استهلاكي كبير يضم أكثر من 35 مليون نسمة، مما يجعلها نقطة انطلاق طبيعية ومحوراً رئيسياً لتوزيع الأعمال والخدمات على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
البيئة المعيشية المتطورة وجودة الحياة:
مع الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، والنقل، وتطوير المراكز المالية الحديثة مثل “كافد”، أصبحت الرياض توفر بيئة عمل ومعيشة عالمية. كما عزز استقطاب المدارس الدولية المرموقة (King’s College, Downe House) جاذبية العاصمة للكفاءات العالمية وعائلاتها.
الأثر المستقبلي: تنمية شاملة ونقل للمعرفة
انتقال 616 مقراً إقليمياً إلى الرياض لا يعزز فقط أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، بل يخدم بشكل مباشر أهداف “رؤية 2030” في مجالات:
توطين الكفاءات والوظائف: خلق عشرات الآلاف من فرص العمل النوعية التي تتطلب مهارات متقدمة، ورفع كفاءة الكوادر الوطنية من خلال الاحتكاك بالخبرات العالمية.
النمو غير النفطي: تعزيز القطاعات غير النفطية مثل التقنية، الخدمات المالية، والسياحة، حيث باتت تشكل أكثر من 52% من إجمالي الاقتصاد السعودي.
نقل التقنية والمعرفة: تحويل الرياض إلى مركز للابتكار والبحث والتطوير من خلال التواجد الفعلي للشركات التكنولوجية والخدمية الرائدة عالمياً.
إن هذا التدفق غير المسبوق للشركات يؤكد أن الرياض لم تعد مدينة تنافس على الصدارة، بل هي اليوم في الصدارة فعلياً، كمركز إقليمي لا غنى عنه لإدارة الأعمال وتشكيل مستقبل الاستثمار في المنطقة.



