الترفيهسياحة وسفر

جبل أبو مخروق .. شاهد على تاريخ الرياض ونافذة على المستقبل

في قلب العاصمة السعودية، الرياض، وتحديداً في حي الملز، يقف معلم جغرافي وتاريخي فريد يُعرف باسم “جبل أبو مخروق”. لا يمثل هذا الجبل مجرد تكوين صخري من الحجر الجيري، بل هو شاهد صامت على تحولات مدينة الرياض من بلدة محصنة إلى عاصمة حديثة، كما أنه يجسد العلاقة الأزلية بين الإنسان وجمال البيئة الصحراوية.

الأهمية الجغرافية والتاريخية
يُعد جبل أبو مخروق أحد أبرز المعالم الطوبوغرافية في المنطقة، ويستمد اسمه من الميزة الجغرافية الفريدة التي يتفرد بها:

سر التسمية: يعود اسم “أبو مخروق” إلى القوس الصخري الطبيعي أو الخُرْق الذي يعتلي قمته، وهو تجويف كهفي نافذ من جهة إلى أخرى، وقد تشكل بفعل عوامل التعرية عبر آلاف السنين. وقد أطلق عليه في المصادر التاريخية القديمة، مثل معجم البلدان لياقوت الحموي، اسم “جبل الخربة”.

محطة القوافل: كان الجبل في الماضي يقع خارج أسوار مدينة الرياض القديمة، مما جعله محطة استراحة حيوية ومهمة للقوافل القادمة من شرق الجزيرة العربية، حيث كانت تتوقف فيه قبل دخول المدينة للتجارة أو السفر.

ذاكرة الملوك: ارتبط الجبل بذكريات مهمة في تاريخ الدولة السعودية الحديثة، فقد كان متنزهاً خاصاً يرتاده الملك عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – في أيامه الأولى بالرياض، مما أضفى عليه قيمة وطنية ورمزية كبيرة.

حديقة أبو مخروق: المتنفس العتيق
في مطلع الثمانينات الميلادية (عام 1400هـ)، تحول محيط جبل أبو مخروق إلى حديقة عامة بمساحة واسعة، لتصبح من أوائل وأقدم الحدائق العصرية في مدينة الرياض. مثلت هذه الحديقة آنذاك المتنفس الوحيد لسكان العاصمة، حيث زرعت المسطحات الخضراء على مدرجاته المائلة، وزود المكان بألعاب ومرافق بسيطة، واحتضنت العوائل والأطفال في العطل والإجازات.

ومع التوسع العمراني السريع لمدينة الرياض، غُمر الجبل في محيط الأحياء السكنية (حي الملز وحي الضباط)، وتضاءل الاهتمام بالحديقة لبعض الوقت، مما أدى إلى تراجع عدد مرتاديها وإغلاق أبوابها في بعض الفترات.

مشروع التطوير: استعادة القيمة التاريخية
إدراكاً لأهمية جبل أبو مخروق التاريخية والبيئية كمَعلم فريد في قلب العاصمة، أطلقت أمانة منطقة الرياض مؤخراً خطة طموحة لإعادة تأهيل وتطوير الموقع. وتأتي هذه الخطوة في إطار الاستراتيجية الهادفة إلى المحافظة على المواقع التاريخية واستثمارها، وبما يتوافق مع أهداف “رؤية السعودية 2030” في الارتقاء بجودة الحياة في العاصمة:

المسابقة التصميمية: لجأت الأمانة إلى طرح مسابقة لتصميم الموقع، شارك فيها مهندسون وطلاب وشركات، بهدف استلهام تصاميم عصرية ومستدامة تنسجم مع الطبيعة الجبلية للمكان.

الأهداف: يرتكز التطوير على إعادة تأهيل التشكيلات الطبوغرافية، والتوسع في إنشاء مسطحات خضراء، وتوفير خيارات ترفيهية متعددة، ليصبح الجبل وجهة سياحية وثقافية تنبض بالحياة، تحكي قصص الماضي وتطل على مستقبل الرياض الزاهر.

في الختام، يمثل جبل أبو مخروق رمزاً حياً للأصالة والعراقة في الرياض. ومع بدء أعمال تطويره، فإنه يستعد لفتح صفحة جديدة في تاريخه، ليتحول من معلم مهجور إلى مركز جذب حضاري، يجمع بين عبق الماضي وحداثة المستقبل، ويقدم لسكان وزوار الرياض متنفساً طبيعياً ودرساً في التاريخ في آن واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم Adblocke

https://rmse.sa/wp-content/uploads/2025/02/Download-Adblock.webp