لا يمكن ذكر منطقة جازان في أقصى جنوب غرب المملكة العربية السعودية دون أن تترافق الكلمة بعبق الفُل، حتى أصبح اللقب الرسمي والشعبي للمنطقة هو “جازان الفل” و”جازان الفل… مشتى الكل”. إن الفل في جازان ليس مجرد زراعة أو نبتة عطرية، بل هو جزء أصيل من النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، يروي قصة عشق متأصلة تتجسد في كل مناسبة وتفصيله من حياة الأهالي.
الفل: التراث الذي يُلبَس ويُهدى
في جازان، يتجاوز الفل دوره النباتي ليصبح رمزاً للجمال والاحتفاء. إنه العنصر الأبرز في الزينة لكلا الجنسين، لكنه يتألق بشكل خاص في تيجان وعقود النساء، حيث يُنسج ببراعة فائقة ليتحول إلى:
العقود (الردائم): وهي قلائد طويلة تُصنع من حبات الفل البيضاء الناصعة، وتوضع حول العنق أو على الرأس.
الخطور: وهي عقود تتشابك فيها أزهار الفل مع نباتات عطرية أخرى مثل الكادي والبعيثران، لتعطي مزيجاً فريداً من الألوان والروائح.
هذا التزين ليس عادة يومية فحسب، بل هو شعيرة أساسية في:
الأعراس والمناسبات السعيدة: لا تكتمل فرحة العروس الجازانية دون عقد الفل الذي يزينها.
استقبال الضيوف: يُعد الفل من الهدايا القيمة التي يقدمها أهل جازان لضيوفهم، تعبيراً عن الترحيب وكرم الضيافة.
لقد توارث الأهالي عبر القرون فن زراعة وحياكة الفل، مما جعله موروثاً شعبياً تتناقله الأجيال، حتى صار شعاراً لمنطقة تعشق الحياة والجمال.
موطن العطور و الاقتصاد
إن المناخ المداري المعتدل، والتربة الخصبة، ووفرة الأودية في منطقة جازان (مثل وادي بيش ووادي جازان)، كلها عوامل طبيعية جعلت من الإقليم بيئة مثالية لازدهار الفل وأنواع أخرى من النباتات العطرية مثل الكادي والريحان.
الإنتاج الوفير: تُقدر مزارع الفل في جازان بالمئات، وتنتج المنطقة سنوياً مئات الأطنان من هذه الأزهار الفواحة، التي تُصدر إلى مختلف مناطق المملكة وخارجها.
تنوع الأنواع: لا يقتصر الأمر على الفل البلدي الأبيض ذي الرائحة النفاذة، بل توجد أنواع أخرى مثل “فل العزان” الذي ينمو في المرتفعات الجبلية، مما يضيف تنوعاً لمنتجات المنطقة العطرية.
الدعم والتطوير: إدراكاً للأهمية الاقتصادية والثقافية للفل، تم إطلاق مبادرات ومشاريع تنموية كبرى تهدف إلى دعم المزارعين، وتطوير تقنيات الزراعة، وإنشاء جمعيات متخصصة (مثل جمعية الفل والنباتات العطرية)، والسعي نحو إقامة صناعات تحويلية لاستخلاص زيوت الفل العطرية، مما سيفتح آفاقاً جديدة للمنطقة لتنافس في سوق العطور العالمية.
جازان الفل في المهرجانات
لا يفوت أهل جازان فرصة للاحتفاء بعشقهم للفل، حيث يقام سنوياً مهرجان الفل والنباتات العطرية الذي يعد مناسبة ثقافية واقتصادية بامتياز. هذا المهرجان لا يعرض جمال المنتج فحسب، بل يحتفي بفن حياكته، ويشجع المزارعين، ويوفر منصة للبحوث التطويرية في مجال الصناعات العطرية.
باختصار، يظل “الفل الجازاني” أكثر من زهرة؛ إنه رمز هوية، وتقليد اجتماعي راسخ، ومنتج اقتصادي واعد. إنه الروح العطرة التي تتنفس بها جازان، وتجعل زوارها يغادرونها برائحة لا تُنسى، تتجسد في مقولة “جازان الفل.. مشتى الكل”.
