يُعد تحليل صورة الدم الكاملة (Complete Blood Count – CBC) أحد أهم وأكثر الفحوصات الطبية شيوعًا وطلبًا. إنه ليس مجرد تحليل روتيني، بل هو نافذة تشخيصية متكاملة تمنح الأطباء لمحة تفصيلية عن المكونات الأساسية للدم، مما يساعد في تقييم الصحة العامة والكشف المبكر عن مجموعة واسعة من الحالات المرضية. يوفر هذا الاختبار معلومات حيوية عن ثلاثة أنواع رئيسية من الخلايا الدموية: الحمراء، والبيضاء، والصفائح الدموية.
مكونات التحليل الرئيسية ودلالاتها
يقيس تحليل CBC عدة مؤشرات حيوية، لكل منها دلالة محددة على وظائف الجسم وحالته الصحية:
1. خلايا الدم الحمراء (RBCs)
تُعد الخلايا الحمراء مسؤولة عن نقل الأكسجين إلى الأنسجة عبر بروتين الهيموغلوبين (Hb).
انخفاض عددها أو مستوى الهيموغلوبين: يشير غالبًا إلى فقر الدم (الأنيميا)، الذي قد ينجم عن نقص الحديد، أو الفيتامينات (مثل B12 وحمض الفوليك)، أو النزيف، أو الأمراض المزمنة.
الارتفاع: قد يشير إلى الجفاف أو بعض أمراض نخاع العظم.
مؤشرات الحجم والشكل (MCV, MCH, MCHC): تساعد هذه المؤشرات الطبيب في تصنيف نوع فقر الدم؛ فمثلاً، انخفاض MCV (متوسط حجم الكرية) يشير إلى أنيميا نقص الحديد، بينما ارتفاعه قد يشير إلى نقص فيتامين B12.
2. خلايا الدم البيضاء (WBCs)
تُشكل الخلايا البيضاء خط الدفاع الأول للجهاز المناعي ضد العدوى والالتهابات.
الارتفاع (كثرة الكريات البيض): يدل عادةً على وجود عدوى (بكتيرية أو فيروسية) أو التهاب في الجسم.
الانخفاض (قلة الكريات البيض): قد يشير إلى ضعف في المناعة، أو آثار جانبية لبعض الأدوية، أو اضطرابات في نخاع العظم، أو بعض الأمراض الفيروسية الشديدة.
العد التفريقي (Differential Count): يقيس نسبة كل نوع من أنواع الخلايا البيضاء الخمسة (العدلات، اللمفاويات، إلخ)، مما يساعد في تحديد نوع العدوى أو الاضطراب المناعي بدقة أكبر.
3. الصفائح الدموية (Platelets)
الصفائح هي أجزاء صغيرة من الخلايا تلعب دورًا حاسمًا في تخثر الدم ووقف النزيف.
الانخفاض: قد يؤدي إلى سهولة ظهور الكدمات وزيادة خطر النزيف، وقد ينجم عن اضطرابات المناعة الذاتية أو بعض الأدوية.
الارتفاع: قد يشير إلى التهاب مزمن أو اضطراب في نخاع العظم، ويزيد من خطر تجلط الدم.
أهمية التحليل واستخداماته
يُستخدم تحليل CBC لعدة أغراض حيوية:
الفحص الروتيني: لتقييم الصحة العامة كجزء من الفحص الدوري.
تشخيص الأمراض: يساعد في الكشف عن فقر الدم، والعدوى، والالتهابات، واضطرابات التخثر، وحتى بعض أنواع سرطان الدم (اللوكيميا).
متابعة العلاج: يُستخدم لتقييم مدى استجابة المريض للعلاج (مثل علاج الأنيميا) أو لمراقبة الآثار الجانبية لبعض الأدوية (مثل العلاج الكيميائي) على إنتاج خلايا الدم.
تفسير الأعراض: يطلبه الطبيب عند ظهور أعراض غير مبررة مثل التعب المستمر، الحمى، الضعف، أو النزيف.
في الختام، يظل تحليل صورة الدم الكاملة أداة بسيطة وفعالة، تحمل في طياتها مفاتيح لفهم العمليات الحيوية داخل جسم الإنسان، وتوجيه القرارات الطبية نحو التشخيص والعلاج المناسبين.
