سياحة وسفر

واحة قُرَية .. قلب الجوف النابض بالآثار والتاريخ

تقع واحة قُرَيَّة (أو القريّات بمفهومها الواسع الذي يضم المراكز الأثرية المحيطة) في أقصى شمال غرب المملكة العربية السعودية، ضمن حدود منطقة الجوف، وهي ليست مجرد منطقة زراعية، بل تُعد بوابة تاريخية ومعبراً حضارياً هاماً يربط الجزيرة العربية ببلاد الشام. تُجسد هذه الواحة نموذجاً فريداً لاستمرار الاستيطان البشري عبر العصور، وتتميز بثراء آثارها التي تروي حكاية آلاف السنين.

الأهمية التاريخية: استيطان ضارب في القِدم
تُشير الاكتشافات الأثرية في محيط القريّة إلى أن الاستيطان في هذه المنطقة يعود إلى فترات زمنية سحيقة، مما يجعلها من أقدم مناطق الاستيطان في الجزيرة العربية:

العصور الحجرية: عُثر في مواقع قريبة، مثل “جبل ماقِل”، على أدوات وكسر فخارية تعود إلى العصر النحاسي (الألفية الرابعة قبل الميلاد)، كما عُثر على دلائل استيطان تعود للعصر الحجري القديم في مناطق مجاورة مثل الشويحطية، مما يبرهن على قدم الوجود البشري.

العصر النبطي والإسلامي: ازدهرت القريّة وما حولها في الفترات اللاحقة، خاصة في العصر النبطي، كمركز تجاري وعسكري على الطريق المؤدي إلى البتراء ودمشق. وتشير الدلائل إلى استمرار الاستيطان في العصرين الروماني والإسلامي المبكر (العهد الأموي تحديداً).

المعالم الأثرية في محيط الواحة
تنتشر حول واحة قريّة مجموعة من المواقع والمعالم الأثرية التي تبرز أهميتها التاريخية والإستراتيجية:

قصر كاف: يقع قصر كاف بالقرب من القريات، وهو بناء تاريخي يعتقد أنه قام على أنقاض قلعة أقدم، ويشهد على التحصينات المعمارية في المنطقة. كان قصر كاف ونواحيه في فترة من الفترات مركزاً إدارياً وحضارياً مهماً.

قصر أثرة النبطي: يقع هذا القصر إلى الشرق من قرية كاف، وقد بُني من الحجارة البازلتية السوداء المصقولة. يتميز القصر بطرازه المعماري المربع، ونقوشه التي تضمنت كتابات بخط كوفي ورسم لهلال، مما يدل على استخدام الموقع في الفترة النبطية واستمراره في العصر الإسلامي.

قلعة الصعيدي: تقع على قمة جبل الصعيدي، وتتكون من سور مستطيل مشيد بالحجر البازلتي، وتشير إلى أهمية المنطقة العسكرية والمراقبة على الطرق التجارية.

واحة الخير والجمال
لم تكن قريّة مركزاً عسكرياً وتجارياً فحسب، بل هي واحة زراعية بامتياز، تتميز بوفرة المياه الجوفية، ومنتجاتها الزراعية الوفيرة، وأبرزها:

الزيتون والنخيل: تشتهر المنطقة بزراعة الزيتون والنخيل، وقد أكسبها ذلك لقب “مدينة الذهب الأخضر”، مما يعكس الخصوبة والجهد المبذول في استغلال البيئة الصحراوية.

البيوت التراثية: لا تزال بعض القرى القريبة من القريّة، مثل “قرية الحواس”، تحتفظ ببيوتها الطينية القديمة المسقوفة بجذوع وسعف النخيل، مما يمنح الواحة طابعاً تراثياً عريقاً وجمالاً هادئاً.

في الختام، تُعد واحة قريّة كنزاً تاريخياً وبيئياً، حيث تتجسد فيها قصص الحضارات المتعاقبة وبراعة الإنسان في العيش والاستدامة. وبفضل ثرائها الأثري وجمالها الطبيعي، تستحق القريّة أن تكون وجهة سياحية بارزة تسلط الضوء على عمق الموروث الحضاري للمملكة العربية السعودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم Adblocke

https://rmse.sa/wp-content/uploads/2025/02/Download-Adblock.webp