سياحة وسفر

السعودية.. حزام أخضر من العرعر والطلح

 

غالباً ما تتبادر صورة الصحراء الذهبية إلى الذهن عند ذكر المملكة العربية السعودية، إلا أن المملكة تحتضن تنوعاً بيئياً مذهلاً، تُشكل فيه الغابات عنصراً حيوياً يكسو مساحات شاسعة، خاصة في جزئها الجنوبي الغربي. هذه الغابات ليست مجرد تجمعات لأشجار عادية، بل هي كنوز بيئية وثقافية، وخط الدفاع الأول في جهود المملكة الطموحة لتحقيق الاستدامة البيئية ومواجهة التغير المناخي.

غابات السروات: حيث يلامس العرعر السحاب
تتركز معظم غابات المملكة على امتداد جبال السروات في مناطق عسير، والباحة، والطائف، مستفيدة من هطول الأمطار الموسمية. وتغطي الغابات ما يقارب 2.7 مليون هكتار، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

الغابات الجبلية (غابات العرعر):
تُعد شجرة العرعر أيقونة هذه الغابات، حيث تشكل حوالي
60%
من الغطاء النباتي في المرتفعات. العرعر شجرة معمرة دائمة الخضرة، تمنح المناطق الجبلية (مثل جبال السودة في عسير وغابة رغدان في الباحة) مظهراً آسراً يغلفه الضباب.

غابة رغدان (الباحة): من أشهر الغابات وأكثرها كثافة، تطل على سهول تهامة، وتتميز بأجوائها المعتدلة على مدار العام، ومرافقها السياحية المتميزة.

منتزه عسير الوطني: يضم غابات العرعر الشاهقة، ويعد موئلاً للحياة الفطرية والتنوع الأحيائي، ومقصداً رئيسياً للسياحة البيئية والمغامرة.

 غابات الأودية والسهول:
تنتشر في الوديان والشعاب، وتضم أشجاراً متكيفة مع بيئة الجفاف، أبرزها الطلح، والسدر، والغاف، والأكاسيا. هذه الغابات تلعب دوراً حيوياً كمراعي طبيعية ومصادر لمنتجات خشبية وطبية تقليدية.

غابات المانجروف الساحلية:
تنمو أشجار القرم والقندل على طول سواحل البحر الأحمر، وتُعد غابات المانجروف ذات أهمية قصوى في حماية الشواطئ من التعرية وتوفير بيئة خصبة لحضانة الأسماك والطيور البحرية.

الأهمية البيئية والاقتصادية للغابات
تتجاوز أهمية الغابات في السعودية مجرد كونها مناطق ترفيهية، لتشمل جوانب بيئية واقتصادية وثقافية عميقة:

حماية التنوع الحيوي: تُعد ملاذاً لعدد كبير من النباتات (أكثر من 100 نوع) والحيوانات البرية، بما في ذلك الأنواع المهددة بالانقراض.

مكافحة التصحر والتعرية: تعمل الغابات على تثبيت التربة، والحد من زحف الرمال، والتقليل من مخاطر الفيضانات والسيول.

تنظيم المناخ: تساهم في امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وتحسين جودة الهواء، وتخفيض درجات الحرارة محلياً.

جهود المملكة نحو غطاء نباتي مزدهر (رؤية 2030)
إدراكاً للدور المحوري للغابات في مستقبل المملكة، أطلقت الحكومة مبادرات ضخمة ضمن رؤية 2030 ومبادرة السعودية الخضراء، التي يقودها المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر:

زراعة 10 مليارات شجرة: وهو هدف طموح يهدف إلى إعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة على مدى العقود القادمة، لزيادة الرقعة الخضراء بشكل غير مسبوق.

حماية وإدارة الغابات: يعمل المركز على تطبيق خطط استراتيجية لحماية الغابات من التعديات البشرية (مثل الاحتطاب والرعي الجائر)، وتأهيل الغابات المتدهورة، والمحافظة على الموارد الوراثية النباتية.

جودة الحياة: تهدف هذه الجهود بشكل مباشر إلى تحسين جودة الحياة للسكان عبر توفير بيئة صحية، والحد من العواصف الغبارية، وتعزيز السياحة البيئية المستدامة.

ختاماً، تُثبت الغابات في السعودية أن التنوع البيئي هو سمة أصيلة للمملكة ، ومع الإصرار على تحقيق مستهدفات “السعودية الخضراء”، يتجه هذا الجزء من أرض الجزيرة العربية نحو مستقبل يكون فيه الغطاء النباتي المزدهر حقيقة ملموسة، تضاف إلى قائمة كنوز المملكة الطبيعية والثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم Adblocke

https://rmse.sa/wp-content/uploads/2025/02/Download-Adblock.webp