سياحة وسفر

موكب العرس الحجازي .. ألق الأصالة في زفة “أهل الغربية”

يُعد “موكب العرس الحجازي” – أو ما يُعرف محلياً بـ “الزفة” – واحداً من أكثر الطقوس الاجتماعية غنى وجمالاً في مدن المنطقة الغربية للمملكة، كجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة. إنه ليس مجرد انتقال للعروس من بيت أهلها إلى بيت الزوج، بل هو احتفال جماهيري، تتجسد فيه روح الأصالة والتكافل الاجتماعي، وتنتقل خلاله العروس من مرحلة “العزوبية” إلى “الزواج” بمراسم ذات أبعاد تاريخية وثقافية عميقة.

الزفة في الماضي: البساطة والتراث
كان موكب العرس الحجازي في الزمن الغابر أكثر بساطة وأشد ارتباطاً بالتراث المحلي، وقد تميز بما يلي:

نقل الدبش والمندوس: قبل ليلة الزفاف، كانت تتم عملية نقل “دبش” العروس (جهازها وملابسها وهداياها) إلى بيت الزوجية. كان هذا النقل يتم في صناديق خشبية مزخرفة تُعرف باسم “المندوس”، وتحملها جماعة من الأهل والأصدقاء وسط غناء وأهازيج.

الزفة الجماعية: كانت الزفة بمثابة إشهار للزواج، يشارك فيها أهل الحيين (أهل العروس وأهل العريس). يرافق العريس أصدقاؤه وقرائبه، بينما تذهب العروس محفوفة بالنساء على أنغام المواويل الحجازية المتميزة بالصيغ الدينية والمدح النبوي (الصلاة والسلام) أو الأهازيج الشعبية.

لباس الزفة: كانت العروس ترتدي في الزفة التقليدية إما ثوبها الأبيض البسيط أو الزي الحجازي المطرز والمزركش بالذهب والفضة (مثل الكرتة أو الدرع)، وتتزين بعقود الفل والورد التي تشتهر بها المنطقة.

موكب العريس: “زفة الرجال”
في الزواج الحجازي، يمثل موكب العريس رمزاً للقوة والفرح، وقد كان في السابق يتميز بالاحتفالية الخاصة:

فرقة المزمار أو المجسات: كان العريس يزف وسط موكب خاص به، يصاحبه فرقة شعبية تقدم عروض “المزمار” أو “المجسات” (مواويل المدح الحجازية)، وترديد الأهازيج المخصصة له.

الزِّي: يرتدي العريس عادة الثوب الرسمي والمشلح (البشت) والغُترة أو العمامة الحجازية (الغبانة أو الشماخ).

دخول القاعة: يسبق موكب الرجال موكب العروس في الاحتفال (قديماً)، ليكون العريس جاهزاً لاستقبالها في بيت الزوجية، أو لاحقاً في القاعة لاستقبال أهلها بعد وصولها.

 موكب العروس الحديث: “الاحتفال داخل القاعة”
مع التطور الحضري والتوجه نحو إقامة حفلات الزفاف في قاعات مجهزة، تحول جزء كبير من موكب الزفاف التقليدي ليتم داخل أسوار قاعة الأفراح:

التنظيم الحديث: أصبح الموكب منظماً ومحكوماً بتفاصيل دقيقة، تبدأ بلحظة وصول العروس في سيارة فخمة إلى مدخل القاعة.

زفة المنصة (الكوشة): هي قمة الاحتفال، حيث تسير العروس في ممر القاعة المضاءة، محفوفة بـ “مُزينات” (نساء متخصصات في حمل الشموع أو الهدايا)، وتُرافقها الموسيقى التصويرية أو “الزفات” الحديثة.

صناديق الدبش والهدايا: مازال تقليد إبراز هدايا العروس (الشبكة والعطور والملابس) قائماً، حيث تُعرض بشكل فني في عربات زجاجية مزينة بالورود أو صناديق أنيقة.

الروح الحجازية الباقية:
رغم تغيُّر شكل الموكب من المسيرة في الشوارع إلى الاحتفال داخل القاعات، إلا أن الروح الحجازية ظلت حاضرة عبر:

الأغاني الحجازية: هي البصمة التي لا تُمحى، حيث لا يكتمل أي عرس إلا على أنغام “الصباحية” و**”الصلاة والسلام”** والمواويل الحجازية الأصيلة.

الضيافة: يظل تقديم ماء زمزم للعروسين والضيوف، والحلويات الحجازية، دليلاً على التمسك بالعادات القديمة والتفاؤل بالبركة.

إن موكب العرس الحجازي هو خير شاهد على حرص أهالي جدة والحجاز على حفظ موروثهم الثقافي، حيث يمتزج فيه الماضي العريق بحداثة الحاضر، ليظل لكل زواج طابعه الخاص المفعم بالفرح والكرم والأصالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم Adblocke

https://rmse.sa/wp-content/uploads/2025/02/Download-Adblock.webp