سياحة وسفر

العُلا: متحف حي على طريق الحضارات ومستقبل السياحة

تقف “العُلا” شامخة في شمال غرب المملكة العربية السعودية كشاهد صامت على تلاقح الحضارات وعبقرية الإنسان القديم. هي ليست مجرد محافظة، بل هي متحف حي يمتد تاريخه لأكثر من 7000 عام، وتتجسد فيه عظمة الطبيعة وعبق التاريخ في مزيج فريد، جعلها أيقونة التراث العالمي وأحد أهم ركائز رؤية السعودية 2030 السياحية.

التاريخ: ملتقى طريق البخور والممالك القديمة
لعبت العلا دوراً محورياً في التجارة العالمية القديمة بفضل موقعها الاستراتيجي كمركز رئيسي على “طريق البخور” الذي كان يربط جنوب الجزيرة العربية (مصدر البخور والتوابل) بحضارات بلاد الشام ومصر وبلاد ما بين النهرين. وقد أدى هذا الموقع إلى ازدهار عدة ممالك:

مملكة ديدان ولحيان: ازدهرت هذه الممالك العربية القديمة في العلا قبل الأنباط، وشهدت المنطقة في عهدها نشاطاً حضرياً وثقافياً.

الحِجر (مدائن صالح): هي المحطة الأبرز في العلا، والتي كانت تمثل البوابة الجنوبية لمملكة الأنباط (التي اتخذت من البتراء عاصمة لها). وتُعد الحِجر أول موقع سعودي يُسجل في قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2008م.

المدينة القديمة: تتجسد الحياة الإسلامية اللاحقة في البلدة القديمة، وهي متاهة من البيوت الطينية المتلاصقة التي تعود إلى القرون الوسطى، وكانت نقطة توقف رئيسية للحجاج على درب الحج الشامي في العصور الإسلامية.

 الآثار والمعالم: شهادة على عبقرية النحت
تتميز العلا بثرائها الاستثنائي من المعالم الأثرية التي تروي قصصاً عن القوم الذين سكنوا هذه الأرض:

الحِجر (مدائن صالح): تضم أكثر من 110 مقبرة ضخمة منحوتة في الصخور الرملية، بأشكال فنية ومعمارية مدهشة تعكس مهارة الأنباط في النحت على الصخر، وأشهرها “قصر الفريد” الذي يتميز بحجمه وتفاصيله الفريدة.

جبل عكمة: يلقب بـ “المكتبة المفتوحة”، حيث يحتوي على المئات من النقوش والرسوم الصخرية بلغات قديمة متعددة (كاللحيانية والآرامية والنبطية)، مما يوفر سجلاً نادراً للحياة القديمة.

مقابر الأسود (الخريبة): تتميز بمقابر صخرية تعود لمملكة لحيان، أشهرها تلك المنحوتات التي تزينها تماثيل للأسود.

جبل الفيل: معلم طبيعي شهير، عبارة عن صخرة ضخمة على شكل فيل نحتتها عوامل التعرية الطبيعية على مر ملايين السنين، وأصبح رمزاً طبيعياً للمحافظة.

 السياحة والمستقبل: رؤية 2030
تتولى الهيئة الملكية لمحافظة العُلا مهمة تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية عالمية مستدامة، من خلال خطة طموحة تجمع بين الحفاظ على التراث والتطوير البيئي.

“رحلة عبر الزمن” (The Journey Through Time): مشروع ضخم يهدف إلى تطوير خمس مناطق رئيسية في العلا، مع التركيز على الاستدامة البيئية واستصلاح الواحات الزراعية. ومن المقرر الانتهاء من مراحله الأساسية بحلول 2035.

قاعة مرايا (Maraya): أيقونة معمارية حديثة، وهي أكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم، تعكس جمال الطبيعة المحيطة بها، وتستضيف المؤتمرات والفعاليات العالمية والفنية.

محمية شرعان الطبيعية: تهدف إلى إعادة توطين الحياة البرية وحماية التنوع البيولوجي، بما في ذلك الحفاظ على النمر العربي المهدد بالانقراض.

الفعاليات العالمية: تستضيف العلا سلسلة من الفعاليات والمهرجانات على مدار العام (“مواسم العلا”)، التي تجتذب الزوار من جميع أنحاء العالم، مثل مهرجان طنطورة وسباقات رالي العلا، مما عزز مكانتها كوجهة للفعاليات الفاخرة والثقافية.

بفضل تكاملها التاريخي والطبيعي، وجهود التطوير التي ترتكز على الاستدامة، تترسخ مكانة العلا كوجهة استثنائية تسرد فصولاً من تاريخ الإنسانية على مدار عصور، وتفتح أبوابها لتكون جسراً يربط الماضي بالمستقبل في قلب الصحراء العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم Adblocke

https://rmse.sa/wp-content/uploads/2025/02/Download-Adblock.webp